صحابي
جليل أبوه سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة
بن كعب ابن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط بن أفصى بن دعمي بن
جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وكان سنان عاملاً (أي
والياً) لكسرى على الأبلة (حالياً البصرة).
أمه: سلمى بنت قعيد بن مهيص بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن
مر بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ولد قبل البعثة بحوالي عشرين سنة كان والد صهيب سنان بن مالك النمري وكان
صهيب أحب أولاده إليه فهو لم يجاوز الخامسة من عمره. كان صهيب جميل الوجه،
أحمر الشعر ممتلئ النشاط ذا عينين تشعان فطنة ونجابة. ولثقل لسانه وحمرة
شعره، أطلق عليه اسم صهيب الرومي.كان صهيب في بداية حياته غلامًا صغيرًا
يعيش في العراق في قصر أبيه الذي ولاه كسرى ملك الفرس حاكماً على
الأُبُلَّة (إحدى بلاد العراق)، وكان من نسل أولاد النمر بن قاسط من العرب،
وقد هاجروا إلى العراق منذ زمنٍ بعيد، وعاش سعيدًا ينعم بثراء أبيه وغناه
عدة سنوات.
وذات يوم، أغار الروم على الأبلة بلد أبيه، فأسروا أهلها، وأخذوه عبدًا،
وعاش العبد العربي وسط الروم، فتعلم لغتهم، ونشأ على طباعهم، ثم باعه سيده
لرجل من مكة يدعى عبد الله بن جدعان، فتعلم من سيده الجديد فنون التجارة،
حتى أصبح ماهرًا فيها، ولما رأى عبد الله بن جدعان منه الشجاعة والذكاء
والإخلاص في العمل، أنعم عليه فأعتقه.وعندما أشرقت في مكة شمس الإسلام،
كان صهيب ممن أسرع لتلبية نداء الحق، فذهب إلى دار الأرقم، وأعلن إسلامه
أمام رسول الله (، ولم يَسْلَم صهيب من تعذيب مشركي مكة، فتحمل ذلك في صبر
وجلد؛ ابتغاء مرضاة الله وحبًّا لرسوله (، وهاجر النبي ( بعد أصحابه إلى
المدينة، ولم يكن صهيب قد هاجر بعد، فخرج ليلحق بهم، فتعرض له أهل مكة
يمنعونه من الهجرة؛ لأنهم رأوا أن ثراء صهيب ليس من حقه، لأنه جاء إلى
بلادهم حينما كان عبدًا فقيرًا، فلا يحق له أنه يخرج من بلادهم بماله
وثرائه، وصغر المال في عين صهيب، وهان عليه كل ما يملك في سبيل الحفاظ على
دينه، فساومهم على أن يتركوه، ويأخذوا ماله، ثم أخبرهم بمكان المال، وقد
صدقهم في ذلك، فهو لا يعرف الكذب أو الخيانة.ولما وصل إلى المدينة انهارت
قواه ولم يستطع المشي وسأل عن مسجد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ودخل
المسجد زحفا على يديه وركبتيه من الاعياء ووضع رأسه على حجر رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) فأخذ رسول الله يربت على رأسه وينفض عنها الاذى
ويقول له: ربح البيع أبا يحي..ربح البيع أبا يحي
وشارك صُهيب في جميع غزوات الرسول (، فها هو ذا يقول: لم يشهد رسول الله
( مشهدًا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها، ولم يسر
سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزوة قط إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله،
وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما
جعلت رسول الله ( بيني وبين العدو قط حتى تُوُفِّي.
وواصل جهاده مع الصديق ثم مع الفاروق عمر -رضي الله عنهما-، وكان بطلا
شجاعًا، وكان كريمًا جوادًا، يطعم الطعام، وينفق المال، قال له عمر -رضي
الله عنه- يومًا: لولا ثلاث خصال فيك يا صهيب، ما قدمت عليك أحدًا، أراك
تنتسب عربيًّا ولسانك أعجمي، وتُكنى بأبي يحيي، وتبذر مالك. فأجابه صهيب:
أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى، فإن رسول
الله ( كناني بأبي يحيى فلن أتركها، وأما انتمائي إلى العرب، فإن الروم
سبتني صغيرًا، فأخذت لسانهم (لغتهم)، وأنا رجل من النمر بن قاسط.
[ابن سعد].
وكان عمر -رضي الله عنه- يعرف لصهيب فضله ومكانته، فعندما طُعن -رضي الله
عنه- أوصى بأن يصلي صهيب بالناس إلى أن يتفق أهل الشورى على أحد الستة
الذين اختارهم قبل موته للخلافة؛ ليختاروا منهم واحدًا، وكان صهيب طيب
الخلق، ذا مداعبة وظُرف، فقد رُوي أنه أتى المسجد يومًا وكانت إحدى عينيه
مريضة، فوجد الرسول ( وأصحابه جالسين في المسجد، وأمامهم رطب، فجلس يأكل
معهم، فقال له النبي ( مداعبًا: (تأكل التمر وبك رمد؟) فقال صهيب: يا رسول
الله، أني أمضغ من ناحية أخرى (أي: آكل على ناحية عيني الصحيحة). [ابن
ماجه]، فتبسم رسول الله (.
وظل صهيب يجاهد في سبيل الله حتى كانت الفتنة الكبرى، فاعتزل الناس،
واجتنب الفتنة، وأقبل على العبادة حتى مات -رضي الله عنه- بالمدينة سنة
(38هـ)، وعمره آنذاك (73) سنة، ودفن بالبقيع. وقد روى صهيب -رضي الله عنه-
عن النبي ( أحاديث كثيرة، وروى عنه بعض الصحابة والتابعين -رضوان الله
عليهم أجمعين-.