( زيد بن حارثة إنه زيد بن حارثة -رضي الله عنه)
صحابي ومولى النبي محمد، كان قد تبناه قبل بعثته فكان يُدعى بـ زيد بن
محمد. أبوه الصحابي الجليل: حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس
بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن
رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافِ بن
قضاعة.
أمه: سعدى بنت ثعلبة بن عبد بن عامر من بني معن بن عتود بن عنين بن
سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن
زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وكانت أمه سعدى بنت ثعلبة قد أخذته معها، وهو ابن ثمان سنوات، لزيارة
أهلها في بني مَعْن، ومكثت سُعدى في قومها ما شاء الله لها أن تمكث، وفوجئ
أهل معن بإحدى القبائل المعادية تهجم عليهم، وتنزل الهزيمة بهم، وتأخذ من
بين الأسرى زيدًا. وعادت الأم إلى زوجها وحيدة، فلم يكد يعرف حارثة الخبر
حتى سقط مغشيًا عليه، وحمل عصاه فوق ظهره، ومضى يجوب الديار، ويقطع
الصحارى، يسأل القبائل والقوافل عن ابنه وقرة عينه، حتى جاء موسم الحج
والتجارة، فالتقى رجال من قبيلة حارثة بزيد في مكة، ونقلوا له لوعة أبويه،
فقص عليهم زيد حكايته، وكيف هاجم بنو القَيْن قبيلة أمه واختطفوه، ثم
باعوه في سوق عكاظ لرجل من قريش اسمه حكيم بن حزام بن خويلد، فأعطاه لعمته
خديجة بنت خويلد التي وهبته لزوجها محمد بن عبد الله، فقبله وأعتقه، ثم
قال زيد للحجاج من قومه: أخبروا أبي أني هنا مع أكرم والد. فلما عاد القوم
أخبروا أباه، ولم يكد حارثة يعلم مكان ابنه حتى خرج هو وأخوه إلى مكة
فسألا عن محمد بن عبد الله، فقيل لهما: إنه في الكعبة -وكان النبي ( لم
يبعث بعد- فدخلا عليه فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه، أنتم
أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا،
فامنن علينا، وأحسن في فدائه، فترك النبي ( لزيد حرية الاختيار، فقال
لهما: (ادعوا زيدًا، خيروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني
فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء). ففرح حارثة، وقال للنبي
(: لقد أنصفتنا، وزدتنا، وأحسنت إلينا، فلما جاء زيد سأله النبي (: (أتعرف
هؤلاء؟) قال زيد: نعم: هذا أبي، وهذا عمي، فقال الرسول ( لزيد: (فأنا
مَنْ قد علمت ورأيت، صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما)، فقال زيد: ما أنا
بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني مكان الأب والعم. فدهش أبوه وعمه وقالا:
ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟! فقال
زيد: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا
أبدًا. فلما رأى الرسول ( ذلك فرح فرحًا شديدًا، ودمعت عيناه، وأخذ زيدًا
وخرج إلى حجر الكعبة حيث قريش مجتمعة، ونادى: (يا من حضر، اشهدوا أن زيدًا
ابني يرثني وأرثه) [ابن حجر]. فلما رأى أبوه وعمه ذلك طابت نفساهما. وصار
زيد لا يُعْرف في مكة كلها إلا بزيد بن محمد، فلما جاء الإسلام أسلم زيد،
وكان ثاني المسلمين، وأحبه الرسول حتى نزلت الآية الكريمة: (أدْعُوْهُمْ
لآبَائِهِمْ) [الأحزاب: 5]. فدعي يومئذ (زيد بن حارثة)، ونُسب بعد ذلك كل
من تبناه رجل من قريش إلى أبيه.يذكر لنا التاريخ أن النبي عندما رحل إلى
الطائف، كان برفقته زيد بن حارثة، وفي الطائف ضيق أهلها على النبي، ورموه
بالحجارة، وأدموا رجلاه الشريفتان، وكان زيد يقيه بنفسه حتى جرح في
رأسه.ولما أذن الرسول لأصحابه بالهجرة هاجر زيد إلى المدينة، وآخى الرسول
بينه وبين أسيد بن حضير وزوجه الرسول ( مولاته أم أيمن، فأنجبت له
أسامة بن زيد، ثم زوجه ( ابنة عمته زينب بنت جحش، ولكن لم تطب الحياة
بينهما، فذهب زيد إلى الرسول ( يشكوها، فأخبره النبي ( أن يمسك عليه زوجه،
ويصبر عليها. ولكن الله سبحانه أمر رسوله ( أن يطلق زينب من زيد،
ويتزوجها هو، وذلك لإبطال عادة التبني التي كانت منتشرة في الجاهلية، وكان
الابن بالتبني يعامل معاملة الابن الصلب، قال تعالى: {إذ تقول للذي أنعم
الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله ما
مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها
لكي لا يكون علي المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا ما قضوا منهن وطرًا
وكان أمر الله مفعولاً} [الأحزاب: 73]. ويكفي زيد فخرًا أن شرفه الله
تعالى بذكر اسمه في القرآن الكريم، وقد زوجه الرسول ( من أم كلثوم بنت
عقبة، وكان زيد فدائيًّا شجاعًا، ومن أحسن الرماة، واشترك في غزوة بدر،
وبايع النبي ( على الموت في أحد، وحضر الخندق، وصلح الحديبية، وفتح خيبر،
وغزوة حنين، وجعله النبي أميرًا على سبع سرايا
استشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، في السنة الثامنة للهجرة
عندما أخذ الروم يغيرون على حدود الدولة الإسلامية، واتخذوا من الشام نقطة
انطلاق لهم؛ سيَّر الرسول جيشًا إلى أرض البلقاء بالشام، ووقف (
يُوَدِّعُ جيشه بعد أن أمر عليهم زيد بن حارثة، قائلاً إن أصيب زيد فجعفر
بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة)_[ابن اسحاق].
وسار الجيش حتى نزل بجوار بلدة تسمى مؤتة، وتقابل جيش المسلمين مع جيش
الروم الذي كان عدده يزيد على مائتي ألف مقاتل، ودارت الحرب، واندفع زيد
في صفوف الأعداء، لا يبالي بعددهم ولا بعدتهم، ضاربًا بسيفه يمينًا
ويسارًا، حاملا الراية بيده الأخرى، فلما رأى الأعداء شجاعته طعنوه من
الخلف، فظل زيد حاملاً الراية حتى استشهد، فدعا له الرسول ( وقال:
(استغفروا لأخيكم، قد دخل الجنة وهو يسعى) [ابن سعد].
عندما بلغ رسول الله خبر استشهاد زيد بن حارثة، مع جعفر بن أبي طالب،
وعبد الله بن رواحة، قام وذكر شأنهم فبدأ بزيد رضي الله عنه فقال: اللهم
اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد. وقال له الصحابه يارسول
الله مارأيناك تبكي شهيدا مثله فقال هو فراق الحبيب لحبيبه