هو
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي محمد ، حبر الأمة
وفقيهها وإمام التفسير، ولد ببني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين، كان
أبيض طويلاً مشربًا صفرة، جسيمًا وسيمًا، صبيح الوجه، فصيحًا. وكان النبي
محمد دائم الدعاء لابن عباس فدعا أن يملأ الله جوفه علما وأن يجعله صالحا.
وكان النبي محمد يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول: " اللهم
فقهه في الدين وعلمه التأويل".
أثنى عليه النبي قائلاً: "وإن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس".
توفي رسول الله محمد وعمر ابن عباس لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة، وقد روي له
1660 حديثا. كان عبد الله بن عباس مقدما عند عثمان بن عفان، وأبو بكر
الصديق(م)، ثم جعله علي بن أبي طالب واليا على البصرة وكان عمره يوم وفاة
النبي محمد 13 عاماً.
وكان يسمى بـترجمان القرآن.زوجته هي : شميلة بنت أبي حناءه بن أبي أزيهر
بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن عامر
بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران.
ولقِّب بالحَبْر لكثرة علمه بكتاب الله وسنة رسوله
عن ابن عباس t قال: أهدي إلى النبي بغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من
شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليًّا، ثم التفت فقال: "يا غلام". قلت:
لبيك يا رسول الله. قال: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف
إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت
فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم
يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله
عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم
تستطع فاصبر؛ فإن في الصبر على ما تكرهه خيرًا كثيرًا، واعلم أن مع الصبر
النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر".
ويروى أنه كان معتكفًا في مسجد الرسول فأتاه رجل على وجهه علامات الحزن
والأسى، فسأله عن سبب حزنه؛ فقال له: يا ابن عم رسول الله، لفلان علي حق
ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر أي قبر الرسول ما أقدر عليه؛ فقال له: أفلا
أكلمه فيك؟ فقال الرجل: إن أحببت؛ فقام ابن عباس، فلبس نعله، ثم خرج من
المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟! (أي أنك معتكف ولا يصح لك
الخروج من المسجد).
فرد عليه قائلاً: لا، ولكن سمعت صاحب هذا القبر ( والعهد به قريب -فدمعت
عيناه- وهو يقول: (من مشى في حاجة أخيه، وبلغ فيها كان خيرًا له من اعتكاف
عشر سنين، ومن اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله تعالى، جعل الله بينه وبين
النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين (المشرق والمغرب))
[الطبراني والبيهقي والحاكم].
وقد قال رضي الله عنه: سلوني عن التفسير فإن ربي وهب لي لسانا سؤولا وقلبا عقولا.
وكان يحب إخوانه المسلمين، ويسعى في قضاء حوائجهم، وكان يقول: لأن أعول
أهل بيت من المسلمين شهرًا أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلي من حجة بعد حجة،
ولهدية أهديها إلى أخ لي في الله أحب إلي من دينار أنفقه في سبيل الله.
وكان عمر -رضي الله عنه- يحب عبد الله بن عباس ويقربه من مجلسه ويستشيره في
جميع أموره، ويأخذ برأيه رغم صغر سنه، فعاب ناس من المهاجرين ذلك على
عمر، فقال لهم عمر: أما أني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله، فسألهم عمر
عن تفسير سورة {إذا جاء نصر الله والفتح}، فقال بعضهم: أمر الله نبيَّه
إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجًا أن يحمده ويستغفره، فقال عمر:
يا ابن عباس، تكلم. فقال عبدالله: أعلم الله رسوله ( متى يموت، أي: فهي
علامة موتك فاستعد، فسبح بحمد ربك واستغفره. [البخاري وأحمد والترمذي
والطبراني وأبو نعيم].
وكان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- يقول عن ابن عباس: ما رأيت أحدًا
أحضر فهمًا، ولا ألب لبًّا (عقلاً)، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من
ابن عباس، لقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات فيقول: قد جاءت معضلة، ثم لا يجاوز
قوله وإن حوله لأهل بدر. [ابن سعد]. وكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها-
تقول: أعلم مَن بقي بالحجِّ ابن عباس.
وكان ابن عباس يقيم الليل، ويقرأ القرآن، ويكثر من البكاء من خشية الله،
وكان متواضعًا يعرف لأصحاب النبي ( قدرهم، ويعظمهم ويحترمهم، فذات يوم
أراد زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن يركب ناقته فأسرع ابن عباس إليه لينيخ
له الناقة، فقال له زيد: تنيخ لي الناقة يا ابن عم رسول الله؟! فرد عليه
ابن عباس قائلاً: هكذا أمرنا أن نأخذ بركاب كبرائنا.
عن مجاهد قال: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول: قال رسول الله.
قال مجاهد: كنت إذا رأيت ابن عباس يفسر القرآن أبصرت على وجهه نورا.
قال عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس، لا أعظم جفنة
ولا أكثر علما، أصحاب القرآن في ناحية، وأصحاب الفقه في ناحية، وأصحاب
الشعر في ناحية، يوردهم في واد رحب.
وكان ابن عباس كريمًا جوادًا، وذات مرة نزل أبو أيوب الأنصاري البصرة
حينما كان ابن عباس أميرًا عليها، فأخذه ابن عباس إلى داره وقال له:
لأصنعن بك كما صنعت مع رسول الله (، فاستضافه ابن عباس خير ضيافة. وحضر
ابن عباس معركة صفين، وكان في جيش الإمام عليَّ، وأقبل ابن عباس على العلم
والعبادة حتى أتاه الموت سنة (67 هـ)، حينما خرج من المدينة قاصدًا
الطائف، وكان عمره آنذاك (70) سنة، وصلى عليه الإمام محمد بن الحنفية،
ودفنه بالطائف وهو يقول: اليوم مات رَبَّاني هذه الأمة